الفجوة بين ما نراه وما نريد تعلّمه

من الأصفار والآحاد إلى لغات البشر

في بدايات الحوسبة، كان المبرمجون يتعاملون مع لغات بدائية تعتمد على 0 و1 لتنفيذ الأوامر. ثم ظهرت لغة التجميع (Assembly) التي قرّبت الإنسان خطوة نحو فهم الحاسوب، حيث أصبحت التعليمات أكثر وضوحًا.

ومع مرور الوقت، تطورت البرمجة لتصل إلى اللغات عالية المستوى (High-Level Languages)، مثل بايثون وجافا، التي أصبحت تشبه اللغة البشرية إلى حد كبير، فسهّلت على الناس التعامل مع الآلات بطريقة طبيعية أكثر.

لماذا نتعلم البرمجة؟

قد يخطر في بالك — سواء كنت طفلًا أو وليّ أمر — سؤال بسيط:

كيف يمكنني صنع لعبة أو تطبيق بنفسي؟

والجواب دائمًا واحد: تعلّم لغة البرمجة.

لكن أي لغة نختار؟ هل نبدأ من الأصفار والآحاد؟ أم نتعلم لغة التجميع؟ أم نختار من بين مئات اللغات الحديثة؟

هنا يقف الكثيرون في مفترق الطرق، حائرين أمام هذا التنوع الكبير. وبطبيعة الإنسان التي تميل إلى السرعة والنتائج السهلة، يبحث الجميع عن لغة:

• بسيطة،

• سهلة الفهم،

• سريعة التعلم،

• ونتائجها مبهرة.

الفجوة بين الحلم والواقع

نرى اليوم تطبيقات وألعابًا مدهشة، بواجهات أنيقة وحركات واقعية، فنحلم بصنع مثلها. لكن لو أتيح لنا النظر إلى “الجانب الخفي” من هذه البرامج، لرأينا آلاف الأسطر من الأكواد المعقدة، ولشعرنا بالإحباط!

الحقيقة أن هذه المشاريع الضخمة لا يصنعها شخص واحد، بل فِرَق متخصصة تعمل سويًا لسنوات.

تلك هي الفجوة بين ما نراه وما نستطيع فعله كبداية.

ولكن… هل يمكننا تجاوز هذه الفجوة؟

الجواب هو: نعم، مع سكراتش (Scratch).

سكراتش: أداة برمجة أم لعبة تعليمية؟

بداية الحلم

“لماذا لا يتعلم الأطفال البرمجة كما يتعلمون الرسم أو الموسيقى؟ بطريقة مرئية وممتعة وإبداعية!”

من هذا السؤال انطلقت فكرة منصة سكراتش سنة 2007 على يد مجموعة من الباحثين من معهد MIT، بهدف جعل البرمجة سهلة وممتعة للجميع.

كيف تعمل سكراتش؟

يعتمد سكراتش على البرمجة البصرية (Block-based Programming)، حيث يقوم المستخدم بتركيب أوامر على شكل قطع ملوّنة تشبه الليغو.

كل قطعة تمثل أمرًا محددًا: حركة، مظهر، صوت، تفاعل… وبمجرد جمع هذه القطع معًا، يُنشئ الطفل مشروعًا متكاملًا دون كتابة أي كود يدوي.

لماذا يحبها الأطفال؟

ما يجعل سكراتش مميزة هو سهولة التعلم والتفاعل البصري:

• لا حاجة لحفظ الأوامر، فقط اسحب وأفلت.

• الألوان تساعد على التمييز بين أنواع الأوامر.

• الواجهة تحفّز الفضول والاكتشاف والإبداع.

سكراتش لا تقدم البرمجة كمادة دراسية جافة، بل كلعبة تعليمية تجعل الطفل يبرمج وهو يبتكر ويتخيل.

ماذا يمكن أن ينجز الطفل بسكراتش؟

من خلال سكراتش، يمكن للطفل أن:

• يُحرّك الشخصيات ويتفاعل معها.

• يصنع لعبته الخاصة ويشاركها مع أصدقائه.

• يرسم ويصمم القصص التي تدور في خياله.

• يضيف أصواتًا وموسيقى ليجعل مشروعه نابضًا بالحياة.

هذه التجربة تمنحه الثقة بالنفس وتشجعه على التفكير المنطقي والإبداعي في الوقت نفسه.

كما يتيح مجتمع سكراتش العالمي للأطفال من مختلف الدول مشاركة مشاريعهم، ليتعلموا من بعضهم البعض، ويشعروا بالفخر عندما يرون الآخرين يستمتعون بما صنعوه.

سكراتش… بوابة الإبداع بلغتك الأم

سكراتش منصة مجانية ومفتوحة المصدر، متوفرة بأكثر من 70 لغة حول العالم، مما يتيح لكل طفل — أيًا كانت لغته أو خلفيته — أن يتعلم البرمجة بسهولة.

فالإبداع الحقيقي يبدأ عندما نفكر بلغتنا الأم، وسكراتش تتيح ذلك بامتياز.

الختام

ليست سكراتش مجرد أداة لتعليم البرمجة، بل نافذة إلى عالم من الخيال والإبداع.

هي الخطوة الأولى ليصبح الطفل صانعًا للتكنولوجيا لا مجرد مستخدم لها.

فلتكن بداية رحلتك نحو المستقبل من هنا…

من سكراتش! 🌟